تفاصيل المقال
المختار من التفسير القرآني (1- 2) –بقلم العلاَّمة أ. د . محمد رجب البيومي (رحمه الله) ..
- الدكتور البيومي أحد أعلام الأزهر .. وله مؤلفات متعددة حول القرآن والسنة وأعلام النهضة ..
- من صفات المفسر الإخلاص، ومعرفة اللغة العربية، وأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ ..
- إعجاز القرآن لا يقف عند الصياغة الأدبية .. ويجب التفريق بين "الحقائق العلمية" و"النظريات العلمية" ..
لقد اهتم المسلمون اهتمامًا بالغًا بالقرآن الكريم؛ لأنَّه كتاب الله تعالى الذي أوحاه إلى خاتم رسله وأنبيائه، محمد صلى الله عليه وسلم؛ ليكون للعالمين منهاجًا ونورًا ..
وجاء هذا الاهتمام مُتنوعًا وشاملاً؛ بحيث شمل الاهتمامَ به تلاوةً وحفظًا وفَهْمًا وتفسيرًا، عبر مختلف القرون والأزمان؛ حتى تعددت التفاسير وتنوعت أساليبها .. بما دلَّ على المكانة الكُبرى التي تبوأها الكتاب العزيز في عقول المسلمين وفي واقع حياتهم ..
كما اهتم المسلمون ببيان القواعد والضوابط التي يجب اتباعها ممن يروم فَهْم القرآن الكريم، ويُريد أن يقتبس شُعاعًا من نوره؛ فجاءت (علوم القرآن) بمختلف فروعها وأبوابها لتوضح الضوابط التي يجب أن يلتزم بها المفسِّر، والمزالق التي ينبغي أن يَحْذر منها ..
والكتاب الذي بين أيدينا: (المختار من التفسير القرآني) للعلامة الأستاذ الدكتور محمد رجب البيومي، تغمده الله بواسع رحمته، هو أحد هذه الكتب المهمة التي تُبين- في غير إسهاب ولا اقتضاب- أهم المسائل المتعلقة بكيفية فهم النص القرآني، وبعلم التفسير: من حيث النشأة، والمراحل، والتطور، والاتجاهات، والمزالق .. بجانب إلقاء الضوء على جهود العلماء التفسيرية في العصر الحديث ..
والعلاَّمة الدكتور البيومي رحمه الله [(1336هـ/1923م) – (1432هـ/2011م)] هو أحد أعلام الأزهر الشريف، وله مؤلفات متعددة تدل على ثقافته الموسوعية، وعلى قلمه البليغ، ودأبه الحثيث في خدمة الفكر الإسلامي .. فقد كتب حول القرآن الكريم وبيانه، والسنة النبوية وبلاغتها، والتاريخ الإسلامي ورجاله، إضافة إلى العديد من الكتب والمقالات التي تتماسّ مع المشكلات الراهنة، والقضايا التي تشغل العقل المسلم المعاصر .. بأسلوب بليغ، وقلم رشيق، وفكر واعٍ، يُجلِّي منهاج الإسلام ويوضح مفاهيمه ..
والكتاب يقع في جُزئين، زادت صفحاتهما على الثلاثمائة صفحة، وصدر في طبعة خاصة عن مجمع البحوث الإسلامية، في مجلد واحد، عام 2017م ..
شروط المفسر:
بدأ الكتاب بالحديث عن شروط المفسر، وما ينبغي أن يتحلى به من علم راسخ، وإخلاص دائم، وأخلاقٍ زكية .. فقال: (إنَّ أول صفة من صفات المفسر الحقيقي أن يكون ذا إخلاص؛ فهو يُقدّر منزلة الخطأ فيما يحاول. إنه ليس يشرح قصيدة شعرية يكون الخطأ في تفسيرها مأمون النتيجة، غير مخشي العاقبة؛ ولكنه يشرح قول الله تعالى. إنه يُبلّغ رسالة السماء إلى أبناء الأرض؛ فإذا أخطأ في التفسير فقد نسب إلى الله غير ما قال. وقد عَرَفنا كثيرًا من العلماء- في القديم والحديث- يتورعون عن التأليف في التفسير، أو المحاضرة فيه، ولديهم القدرة العلمية على النظر والشرح؛ إذ يخشون الزلل) ..
كما بيَّن د. البيومي أن المفسر يُشترط فيه (أن يكون على بصيرة باللغة العربية: نحوًا وتركيبًا وبلاغةً واشتقاقًا؛ لأن الوقوف على أسرار البيان العربي ذريعة إلى فهم كتاب الله) ..
بجانب ذلك، على المفسر أيضًا أن يكون على علم (بأسباب النزول، وأوجه القراءات، ومعرفة الناسخ والمنسوخ، وأدلة الأحكام، وتطور معاني الألفاظ من جيل إلى حيل .. إذ أنَّ ذلك مما يُضيء مجال القول الصحيح أمامه ... وليست المهارة حينئذ في حشد المعلومات، وترداد النُّقول، وتزاحم الآراء .. إن المهارة كل المهارة أن تخلص إلى الُّلباب في يسر قريب)..
كما أن من (واجب المفسر المعاصر أن يدرس- على نحو عام- علوم العصر، دراسة المثقف لا المتخصص؛ لأن ذلك مما يُساعده على الإقناع)..
من أنواع التفاسير:
وبعد ذلك، عرض الكتاب لأنواع من التفاسير عرفها المسلمون، مثل (التفسير الفقهي) الذي يتجه لاستخراج الأحكام الشرعية .. و (التفسير النحوي) الذي يُعنى بإعراب آيات الذكر الحكيم .. و (التفسير البياني) الذي يهتم بالكشف عن بلاغة القرآن ودقة تعبيره ونَظْمِه .. و (التفسير الموضوعي) الذي يتتبع الموضوع الواحد في مواضعه المتفرقة من القرآن، أو ينظر للسورة الواحدة كوحدة موضوعية .. و (التفسير التوجيهي) الذي ينهض لتناول القرآن الكريم باعتباره مصدرَ هدايةٍ للناس، وقانونًا سماويًّا لتنظيم الحياة ..
التفسير العلمي وضوابطه:
كما تطرق الكتاب إلى (التفسير العلمي) الذي يُعنى بتأكيد أن حقائق العلم التي جاء بها الكتاب المبين ثابتةٌ راسخة، وأن المكتشفات الحديثة تقرر ثبوتها على وجه اليقين .. فيقول د. البيومي: (إذا كان القرآن كتاب إعجاز، فهذا الإعجاز لا يقف عند الصياغة الأدبية وحدها؛ فالصياغة الأديبة خاصةٌ بالعرب وحدهم، وقد أُرسِل النبي الكريم صلى الله عليه وسلم للعالم كافة .. ولا بد للعالم غير العربي من أن يُدرك أسرار الإعجاز، فإذا اقتصر على الصياغة الأدبية لم يُتح لمن لا يعرف العربية- بل لمن لا يتعمق في أسرار العربية- أن يقف على أسرار هذا الإعجاز؛ ولكن الإعجاز العلمي قاسم مُشترك بين الأمم جميعًا) ..
ثم يُشدد د. البيومي على أهمية التفريق بين "الحقائق العلمية"- التي تُوظَّف هي وحدها في الإعجاز العلمي- و"النظريات العلمية" التي لم تستقر بعد ولا ينبغي ربطها بالكتاب العزيز .. فيقول: (فوجب أن يكون- أي الإعجاز العلمي- موضعَ الاعتبار، ويجب أن نرجع إليه في ضوء المقررات الثابتة من أصول العلم... إنما الخوف كل الخوف من إرجافات ظنِّية لا تصل إلى مرتبة اليقين، تُلصق بالعلم الصحيح إلصاقًا، ويظنها بعض المتسرعين من قبيل الرأي المدعم بالدليل، ثم يسعى إلى تفسير آيات الكتاب المبين على ضوء هذه الظَّنِّيات غير الثابتة فيقع في الخطر الكبير)..
القَصَص في التفسير:
إضافة إلى هذا، حذَّر د. محمد رجب البيومي مما امتلأت به كتب التفسير من قصص مروي عن أهل الكتاب (الإسرائيليات) مما لا أصل له، وأكثر يستحيل حدوثه .. داعيًا إلى ترك هذه الأساطير الموهومة؛ لأن في الصحيح من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ما يُغني عن شطط يستنكر.. وقال: (إن للقصص جاذبية لدى المستمع الساذج، ولكن له خطره الماحق حين يُلصق إلصاقًا بكتاب لا يأتيه الباطل من طريق. والمفسرون من أجلّ العلماء، وعليهم أن يحفظوا النص القرآني من كل مُنتحل دخيل) ..
مزالق التفسير السياسي والكلامي:
كما تناول د. البيومي مزالق (التفسير السياسي والكلامي) الذي يُحاول أن يجد له في القرآن الكريم دليلاً يستند إليه؛ مثل مذاهب المعتزلة والشيعة والخوارج قديمًا، واتجاهات الاشتراكية والرأسمالية حديثًا .. وأكَّد هنا أن (القرآن الكريم صريح لا يُناقض بعضه بعضًا، ولكن أصحاب الأهواء يميلون إلى التأويل، ويجنحون إلى المجاز إذا تعسَّر القول بالحقيقة .. وآياتُ الله واضحة لم أتى النص القُرآني بقلب سليم؛ أما الذي يرى الرأي أولاً ثم يُحاول أن يجد أدلته من الكتاب، فإذا لم تتضح على الوجه الصريح لجأ إلى التأويل المتعسف؛ فهذا ما يجب الحذر من شططه؛ وللعقول شطط وجموح)..
* - للموضوع –صلة- بمشيئة الله تعالى ..
* - موقع الجمعية الشرعية