وهذا القرآن لا يستغني عن البشر أبداً في حياتهم اليومية، ويستغنون به عن أي مُشَرّع ديني أو وضعي، لذلك لم يعقد المسلمون أي مجامع دينية كالتي عقدها اليهود والنصارى، لتجميع كُتبهم، ولوضع قواعد عقائدها التي ليست في كتبهم!!! ..
ومن عظمة هذا الكتاب أن الله جمع فيه أقوال المهاجمين للنبي صلى الله عليه وسلم والقرآن، وهي نفس أقوالهم إلي اليوم، وأعطاهم الردود الواضحة، وهذا دليل علي قُوة حُجَّته عليهم، والثقة الكاملة في النبي صلي الله عليه وسلم فأبلغ الدُّنيا برسالة ربه بكل ما فيها، حتي حين أعلن أسرار بيت النبوة؛ لأن الله كان يبدأ في التشريع الجديد الصَّعب بالنبي صلى الله عليه وسلم نفسه كما سنقرأ بعد قليل، حتي أنَّ الله لم يُجامل النبي صلى الله عليه وسلم نفسه في بعض الأمور، ولم يُجامل أهله أو أصحابه، إلاَّ أنه ذكرهم بما يستحقونه فقط، مثل موقفهم حين بايعوا الرسول صلي الله عليه وسلم، قال تعالي: (لَّقَدْ رَضِيَ اللَّـهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا) [الفتح: 18]؛ ذلك لأنه كتاب الله وليس كتاب البشر ..
أمَّا عن جمع هذا الكتاب والكتب التي بأيديهم، فلا تُوجد مُقارنة علي الإطلاق إلا لصالح القرآن وحده، فقد تَمَّت كتابة القرآن في حياة النبي محمد صلي الله عليه وسلم بأيدي عدد من الصحابة الثقات رضي الله عنهم جميعاً، وحفظه جميع الصحابة حفظاً كاملاً في صُدروهم، وكانوا يُصلّون به كل الصلوات، وكان بعضهم يُصَّلي به كله كل يوم ومنهم عثمان بن عفان رضي الله عنه، ولما تُوفي النبي صلي الله عليه وسلم قام خليفته أبو بكر بجمع القرآن في مصحف واحد ..
ولما توسعت الدولة في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه، ومات الكثيرون من حَفَظَةِ القرآن، وقام بإعادة تجميع المصحف بإشراف الصحابة والحَفَظَةِ وجمع النُّسخ الموجودة عند بعضهم، وحرق النُّسخ غير الكاملة، وعمل نُسخ من المصحف الكامل الذي جمعه، وأرسلها إلي جميع بلاد المسلمين، وهذا هو المصحف الثابت عندنا إلى اليوم ..
والنُّسخ التي حَرَقَهَا الخليفة الراشد عثمان بن عفَّان رضي الله عنه كانت عند بعض الصحابة الذين لم يُعاصروا تنزيل القرآن كُله؛ لأنه أُنزل مُتفرقاً علي مدي ثلاثة وعشرين عاماً .. فهذا المصحف الذي بأيدينا هو نفسه الذي كان مكتوباً في حياة النبي محمد صلي الله عليه وسلم، وهذه ميزة فريدة لا تجدها في أي كتاب من الكتب التي بأيدي اليهود والنصارى ..
فقد تمَّ تجميع كتب اليهود بعد ضياعها [1] بسبب الحروب، وتدمير المعبد، وأخذ اليهود عبيداً في بابل، وبعد عودتهم من العبودية قام الكاتب (عِزرا) بمساعدة الكهنة بتجميع الكتب لأول مرة في تاريخ اليهود بعد موت (موسي عليه السَّلام) بأكثر من ألف سنة ..
وبالمثل تم تجميع كتاب النصارى لأول مرة في التاريخ بعد المسيح بثلاث مائة وخمس عشرين سنة بأيدي الكهنة والشمامسة وبرئاسة الإمبراطور الوثني يومئذ (قسطنطين) رئيس كهنة الأوثان في الدولة الرومانية، ولم يحضر تجميع هذه الكتب أي إنسان مُعاصر للمسيح أو لتلاميذه أو لأتباعهم، ورفضوا الكثير من الكُتب يومئذ، ثم أعادوا الموافقة علي بعضها بعد خمسين سنة، ثم وافقوا علي مجموعة أخري من الكتب المرفوضة بعد ألف وستمائة سنه من رَفْع المسيح عليه السَّلام؟؟ ..
ثم تجدهم إلي اليوم كلما أرادوا مهاجمة الإسلام قالوا هذا مصحف عثمان!!!, بل هذا شرف لنا أننا وصل إلينا مصحف عثمان, زوج ابنتي النبي صلي الله عليه وسلم, ولننتقل الآن إلى حامل هذا الكتاب ومُبَلّغه محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم ..
* - وللموضوع – صلة – بمشيئة الله تعالى ..
* - بقلم الدكتور الطبيب الداعية وديع أحمد فتحي (رحمه الله)
الشّمَّاس الكبير، ومُدرس اللغة القبطية بمدارس الأحد بالكنيسة المصرية –سابقا- وقد تُوفي رحمه الله في (24 ربيع الأول 1440هـ - 2/12/2018م) تغمّده الله بواسع رحمته، وأسكنه فسيح جناته .. وإنّا لله وإنّا إليه راجعون ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] - عن كتاب (عصمة الكتاب المقدس واستحالة تحريفه) ص (91- 102) للقس/ "صموئيل مشرقي" رئيس الطائفة الإنجيلية السابق في مصر ..