التَّفْسِيرُ النَّبَوِيُّ للقُرآن الكَريم (2 – 3)، بقلم: العلاَّمة أ. د. محمد رجب البيُّومي (رحمه الله) ..
التَّفْسِيرُ النَّبَوِيُّ للقُرآن الكَريم (2 – 3)، بقلم: العلاَّمة أ. د. محمد رجب البيُّومي (رحمه الله) ..
التَّفْسِيرُ النَّبَوِيُّ للقُرآن الكَريم (2 – 3)، بقلم: العلاَّمة أ. د. محمد رجب البيُّومي (رحمه الله) ..
ونعرض لبعض الأمثلة المختارة للتفسير النبوي؛ فنذكر مما يدل على الكشف عن المعاني المجهولة لألفاظ لا يُوحي بها المنطق ما يلى:
* - عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال: لما نزل قول الله عز وجل: ((الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ))، شَقَّ ذلِكَ علَى المُسْلِمِينَ، فقَالوا: يا رسولَ اللَّهِ، وأيُّنا لا يظلِمُ نفسَهُ؟، قالَ: ليسَ ذلِكَ إنَّما هوَ الشِّركُ، ألَم تَسْمَعُوا مَا قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ: ((يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)). [أخرجه البخاري؛ برقم: (3360)، ومسلم؛ برقم: (124) باختلاف يسير، والترمذي؛ برقم: (3067) واللَّفظ له] ..
* - عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيِّ، قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ رضي الله عنه، فَقُلْتُ لَهُ: كَيْفَ تَصْنَعُ بِهَذِهِ الْآيَةِ؟، قَالَ: أَيَّةُ آيَةٍ؟، قُلْتُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ))، قَالَ أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْهَا خَبِيرًا، سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "بَلْ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنَاهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ، حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا، وَهَوًى مُتَّبَعًا، وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ، فَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ... الحديث" [أخرجه الترمذي؛ برقم: (3058)] ..
* - قالت عائشةُ رضي الله عنها: سألتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ عن قول الله عزَّ وجلَّ: ((وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ))، قالت عائشةُ: أَهُمُ الَّذينَ يشربونَ الخمرَ ويسرِقونَ؟، قالَ: "لا يا بنتَ الصِّدِّيقِ، ولَكِنَّهمُ الَّذينَ يَصُومُونَ ويُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقونَ، وَهُم يَخَافُونَ أن لا تُقبَلَ منهُم، ((أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ)). [أخرجه الترمذي؛ برقم: (3175)] ..
* - ففي المثال الأَّول: حار عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه حين سمع قول الله عن: ((الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ))، فسأل: وأيُّنا لا يظلم نفسه؟! فتنبه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ما حاك في صدر الصَّحابي رضي الله عنه وحدَّد معنى الظُّلم المراد في الآية: بأنه الشرك؛ استنادًا إلى قول الله عز وجل: ((إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ))؛ لأن القرآن يُفسِّر بعضه بعضًا.
* - وفي المثال الثاني: ظِنَّ الصَّحابيّ أنَّ على الإنسان أن يقتصر على ذات نفسه، فلا يَضُرُّه من ضلَّ إذا اهتدى، فسأل عن ذلك، فَوَجَّهَه الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم إلى ضرورة الائْتِمَار بالمعروف والنَّهْى عن المنكر جُهد الطاقَّة، فإذا بذل المسلم ما في وسعه، ثُمَّ لم يبلغ شيئاً مما يُريد فعليه بخاصَّة نفسه ..
* - وفي المثال الثالث: ظَنَّت عائشة رضي الله عنها، أنَّ المُراد بقوله تعالى: ((وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ))، هم العاصُّون الفاسقون ممن يأتُون المُوبقات فَيَزْنُونَ ويَسْرِقُون؛ لذلك وَجِلَتْ قُلُوبهم فبَيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّ الآية الكريمة لا تَتَعَلَّق بهؤلاء، ولكن بالمؤمنين الذين يُؤدون الفرائض الواجبة، ثم يخشون ألاَّ يَقْبَل الله ما يُؤدُّون وهذا هو المعقول، إذْ كُل مُذنب مُحاسَب على ما اقترف! ..
* - ومن قَبِيل ما يكشف الرَّسُول صلى الله عليه وسلم به عن المعاني المجهولة لألفاظ لا يُوحى بها المنطوق، ما جاء على سبيل المجاز وظَنَّهُ السَّامع على سَبِيل الحَقِيقَة؛ كما في سُؤال عَدِيّ بن حَاتِم رضي الله عنه عن الخَيْطِ الأَبْيَضِ والخَيْطِ الأَسْوَدِ؛ وذلك ذائعٌ مُشْتَهَر لا نُطِيل فيه ..
___________
* - للمقال –صلة وتكملة- بمشيئة الله تعالى ..
* - بقلم العلاَّمة المفكر والأديب أ . د . محمد رجب البيومي، عميد كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر (رحمه الله) ..