التَّفْسِيرُ النَّبَوِيُّ للقُرآن الكَريم (3 – 3)، بقلم: العلاَّمة أ. د. محمد رجب البيُّومي (رحمه الله) ..
التَّفْسِيرُ النَّبَوِيُّ للقُرآن الكَريم (3 – 3)، بقلم: العلاَّمة أ. د. محمد رجب البيُّومي (رحمه الله) ..
التَّفْسِيرُ النَّبَوِيُّ للقُرآن الكَريم (3 – 3)، بقلم: العلاَّمة أ. د. محمد رجب البيُّومي (رحمه الله) ..
* - أما مجيء تفسير الرسول صلى الله عليه وسلم في السِّياق الإرشادي العام، فكثير؛ منه ما يلي:
* - الحديث الأوَّل:- روى ابن مسعود رضي الله عنه أنَّ رسول الله وعظ الناس فقال: ((إِنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً بِابْنِ آدَمَ ،وَلِلْمَلَكِ لَمَّةً، فَأَمَّا لَمَّةُ الشَّيْطَانِ فَإِيعَادٌ بِالشَّرِّ وَتَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ، وَأَمَّا لَمَّةُ الْمَلَكِ فَإِيعَادٌ بِالْخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بِالْحَقِّ، فَمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مِنْ اللَّهِ فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ الْأُخْرَى فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، ثُمَّ قَرَأَ: ((الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمْ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)) [أخرجه الترمذي؛ برقم: (2988)] ..
* - الجيث الثاني:- وعن أبى هُريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال تعالى وقوله الحق: ((وإذا أرادَ عبْدي أنْ يَعملَ حَسنةً فهمَّ بها أو فَكَّر في فِعلِها فلمْ يَعملْها فاكتُبُوها له حَسنةً كاملةً لا نَقصَ فيها، وهذا من فَضلِ اللهِ على عِبادِه، فإنْ عمِلَها فاكْتُبوها له بِعشْرِ أمثالِها، إلى سَبعِ مائةِ ضِعفٍ، وهذا مَعنَى قَولِه تَعالَى: ((مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)) [(الأنعام: 160)، والحديث في الصَّحيحين مع اختلاف يسير في الألفاظ] ..
* - الحديث الثالث:- وعن عليّ رضي الله عنه حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ وَصَدَقَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((مَا مِنْ رَجُلٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا ثُمَّ يَقُومُ فَيَتَطَهَّرُ ثُمَّ يُصَلِّي ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إِلَّا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ، ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: ((وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ)) [أخرجه الترمذي؛ برقم: (406)] ..
* - فالاستشهاد بالآيات في سياقها الإرشادي تفسير لها، لَمَّةُ المَلَك و لَمَّةُ الشَّيْطَانِ في ((الحديث الأول)) تُصوران هواجس النفس مُظلمة ومضيئة؛ فالهواجس المظلمة صدى وساوس الشيطان، والخواطر الوضيئة صدى نفحات الملك ..
* - أمَّا ((الحديث الثاني)) فقد جاءت الآية توضيحًا لِفَحْوَاه حيث دلَّت على جزاء الحسنة المضاعف إلى قدر العشر ووقوف السيئة عند جزائها المعقول، وإذا كان الإسلام يدعو إلى التَّوبة والخلوص من الرِّجس، فقد دعا ((الحديث الثالث)) إلى ذلك، وجاءت الآية الكريمة مُبَشِّرة للتَّائبين ومُفَسِّرة بما سبقها من السياق ..
* - وأما التفسير في مجال السؤال والجواب، فتمثل له بما يلي:
* - الحديث الأوَّل:- عن الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((لَيْسَ أَحَدٌ يُحَاسَبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا هَلَكَ))، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَيْسَ قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ((فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا))، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّمَا ذَلِكِ الْعَرْضُ، وَلَيْسَ أَحَدٌ يُنَاقَشُ الْحِسَابَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا عُذِّبَ)) [أخرجه البخاري في الصَّحيح؛ برقم: (6172)] ..
* - الحديث الثاني:- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنها، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةَ: ((ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنْ النَّعِيمِ))، قَالَ الزُّبَيْرُ رضي الله عنه: يَا رَسُولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: فَأَيُّ النَّعِيمِ نُسْأَلُ عَنْهُ، وَإِنَّمَا هُمَا الْأَسْوَدَانِ التَّمْرُ وَالْمَاءُ؟ قَالَ: ((أَمَا إِنَّهُ سَيَكُونُ)) [أخرجه الترمذي؛ برقم: (3356)، وقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ] ..
* - الحديث الثالث:- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْجُمُعَةِ: ((وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ))، قَالَ: قُلْتُ: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَلَمْ يُرَاجِعْهُ، حَتَّى سَأَلَ ثَلَاثًا، وَفِينَا سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ، وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى سَلْمَانَ، ثُمَّ قَالَ: ((لَوْ كَانَ الْإِيمَانُ عِنْدَ الثُّرَيَّا لَنَالَهُ رِجَالٌ أَوْ رَجُلٌ مِنْ هَؤُلَاءِ)). قال الإمام البُخاري رحمه الله: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ أَخْبَرَنِي ثَوْرٌ عَنْ أَبِي الْغَيْثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عنهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَنَالَهُ رِجَالٌ مِنْ هَؤُلَاءِ)).[صحيح البخاري؛ برقم: (4615)] ..
ففي مجال السُّؤال والجواب ظهرت معاني الآيات الكريمة، فالسُّؤال في ((الحديث الأول)) أفاد بأن الحساب اليسير يوم القيامة هو العرض لا النقاش، و ((الحديث الثاني)) أفاد بأنَّ النَّعيم إذا لم يكن مع المسلمين في مكة وهم مُستضعفون فسيكون فيما بعد حين يزدهر الإسلام وقد كان، و ((الحديث الثالث)) أفاد أنَّ الآخرين المتحدث عنهم في ((سورة الجمعة، هم أهل فارس))! وقد دَخَلَتْ ((الفُرس)) في الإسلام بعد حين قريب ..
تلك أمثلة شتى من ((التفسير بالمأثور))؛ لأنها نقلت عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بلفظ لا يحتمل التأويل ولا مجال للخلاف فيها، وما يحتمل النَّظر من ((تفسير رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم)) بأنَّ يرى فيه الباحث وجهًا يتعلق بالمفهوم، فهو شَبيه بما يحتمل الرأي الآخر مما فسّر به النَّص القُرآني نَصًّا آخر، وقد أشرنا إليه مُسْتَشْهِدِين ..
______________
* - بقلم العلاَّمة المفكر والأديب أ . د . محمد رجب البيومي، عميد كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر (رحمه الله) ..