المستشرقون والقرآن .. دراسة لترجمة المستشرق الفرنسي "سافاري" للقُرآن الكريم – (1) بقلم العلاَّمة أ. د. إبراهيم عوض (وفَّقه الله) ..
المستشرقون والقرآن .. دراسة لترجمة المستشرق الفرنسي "سافاري" للقُرآن الكريم – (1) بقلم العلاَّمة أ. د. إبراهيم عوض (وفَّقه الله) ..
المستشرقون والقرآن .. دراسة لترجمة المستشرق الفرنسي "سافاري" للقُرآن الكريم – (1) بقلم العلاَّمة أ. د. إبراهيم عوض (وفَّقه الله) ..
بين يدي الدراسة:
حينما فكَّرت في إعدادِ هذه الدراسةِ، لم يكن يَخطُر ببالي أنَّ هؤلاءِ المستشرقينَ - الذين يَنتَقِدونَ القرآنَ ويُخطِّئونه ويُنفِّرون الناسَ منه - لا يُحسِنون فهمَه على هذا النحو المُخزِي الذي تكشَّف لي بعد ذلك.
لقد كنتُ أظنُّ أن أخطاءَهم هي من تلكَ الأخطاءِ العاديةِ التي لا يَنجُو منها جهدٌ بشريٌّ، أما هذا الجهل الفادح، وهذا العنادُ الحَرُون، وهذا الالتواءُ في النيَّةِ الذي سيَلمَسُه قارئ هذه السطور بنفسه، فهو في الحقيقةِ شيءٌ لم يكن يَخطُر لي ببال ..
لقد أقبلتُ على هذا البحثِ بعقلٍ مفتوحٍ، ظانًّا أني سأَقرأُ كلامًا إن لم يوافِق اعتقادي، فهو كلام موزونٌ، أما هذا التهافتُ وهذه الجرأةُ الجاهلةُ التي سيَراها القارئُ بنفسِه من خلال عشرات الأمثلة -لاحِظ أنها مجرَّد أمثلة- فقد صَدَمتنِي، وخيَّبت ظني تخييبًا ..
نقطةٌ أخيرةٌ أحبُّ أن أوضِّحها، هي: أني -وإن استعنتُ ببعض كُتبِ التفاسيرِ والدراساتِ القرآنية- كنتُ حريصًا أن يكونَ لي رأيي المستقلُّ ..
وسوف يرى القارئُ في عدَّة مواضعَ، كيف خالفتُ الرأيَ الشائعَ في: تحليلِ، وتفسيرِ، وتذوُّقِ هذه الآية أو تلك، أو تتبُّع الخيطِ الذي يَربِط بين الموضوعاتِ، التي تبدو للمتعجِّل متباعدةً في هذه السورةِ أو في تلك، بل إن هناك عدَّة آياتٍ لا أذكر أنِّي قرأتُ ما عنَّ لي فيها عند أحدٍ قبلي، وكان عمدتي في ذلك -إلى جانبِ استقلالِ التفكير- ذوقِي الأدبيُّ الذي غذَّته قراءاتي الأدبيةُ والنقديةُ؛ إذ إن هذا هو مجالُ تخصصي الأوَّل ..
وبعد، فهل أنا بحاجةٍ إلى القول بأن القارئَ لن يَعْدَم في هذه الدراسة أخطاءً هنا وهناك؟
كلُّ الذي أرجوه ألاَّ تكونَ هذه الأخطاءُ كثيرةً ولا فاضحةً، ولعلَّ الله أن يسترَ على عُوار عبدِه الضعيفِ، وهو أكرم مسؤول.
ترجمة "سافاري" [1]
أول ما يُلاحَظ على هذه الترجمةِ أن اسم "محمد" صلى الله عليه وسلم قد ذُكِر على الغِلاف بوصفِه مُؤلِّفَ القرآن، ولسْتُ هنا أجادِل في حقِّ المترجِم أن يعتَقِد أن محمدًا صلى الله عليه وسلم هو مُؤلِّف القرآن أوْ لا؛ فهذا أمرٌ يرجِع إليه هو، وليس لي أدنى حقٍّ في أن أحْجِر على ما يَعتَقِد، لكن الذي أَعرِفه هو أن الأمانةَ العلميةَ كانت تقتضيه أن يُغْفِل ذكرَ اسمِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم على الغِلاف؛ لأنَّ الأصلَ الذي ترجَم عنه لا يُوجَد فيه شيءٌ من هذا؛ فكان الواجبُ عليه في مثلِ هذه الحالةِ أن يَحتَرِم الأصل، ثم له في المقدِّمة والملاحظاتِ الكثيرةِ المثبَتةِ في هوامش الكتابِ مندوحةٌ؛ ليقرِّر ما يعتقدُه هو كما يَحلُو له ..
ولعلنا لا نُضِيف جديدًا حين نقولُ: إنَّه كان يرى أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يؤلِّف القرآنَ سورةً بعد سورةٍ، أو مجموعةً من الآيات بعد أخرى على حسَب الظروفِ، وأنه تعمَّد أن يكون الوحيُّ مُنجَّمًا على هذا النحو حتى يكون في مُكْنَتِه أن يُضِيف إليه ما يَحلُو له حسبما يَجِدُّ من أحوالٍ، أو يَعترِض من مشاكل؛ فيكونُ في يديه دائمًا زمامُ توجيهِ الأمور، وهو رأيٌ يقولُ به مُعظم المستشرقين، وليس الردُّ عليه بالصعب, وقد كان الأَحْرى بهؤلاءِ الناس ومَن يَقْفُون آثارَهم -صُمًّا وبُكمًا وعُميًا- أن يُدرِكوا أن هذا افتراضٌ معتسِّفٌ، لا يُسنِده دليلٌ مُقنِع، لولا أنَّ أمثالَ هؤلاءِ يُقبِلون على البحثِ في أمر القرآن والإسلام كلِّه بعقولٍ مُغلقةٍ، وقلوب مضطغنةٍ ..
وبرغمِ هذا لا يَسَعنِي إلا الاعترافُ بأن أسلوبَ هذه الترجمةِ سلسٌ وأنيقٌ، لكن هذه السلاسةَ والأناقةَ لا يُصَاحِبها سلامةُ الفهمِ ولا الدِّقةُ اللازمة في ترجمة كتابٍ كالقرآن، هو الكتابُ المقدَّس لأتباعِ أحدِ الأديانِ الكُبرى في العالم؛ إذ المترجِم في كثيرٍ جدًّا جدًّا من الأحيانِ يَكتفِي بأداءِ المعنَى أداء إجماليًّا؛ فيَنقُل إلى القارئِ المعنى الكُلِّي، لكنه يُغفِل كثيرًا من التفصيلاتِ التي لا غنَى عنها ..
* - فمثلاً: في ترجمتِه قوله تعالى: ((أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ))[سُورة البقرة: (108)] ..
يقول:
"Demandez – vous votre apotre ce que les juifs demaderent a Moise ? "
ومعناه بالعربية: "أتسألونَ رسولَكم ما سألَه اليهودُ من موسى؟".
فانظر كيف حَذَف من ترجمته عبارة ((أَمْ تُرِيدُونَ)) وتَرجَم الفعل المبنِيَّ للمجهول بمبنِيٍّ للمعلوم، وأضافَ لفظةَ ((اليهود)) وهي ليست موجودةً في النَّص، كما أنَّه حَوَّل ((كما)) إلى ((ما)) .. وهذا كلُّه يُخِلُّ -ولا شكَّ- بالمعنى.
لقد كان يَستَطِيع أن يُحَافِظ على الأصلِ في درجِ الترجمةِ، ثم يَشرَح في الهوامش ما فَهِمه هو من النَّص من تلقائه، أو مما نقلَه من كتب المفسِّرين ..
* - وفي ترجمةِ قوله تعالى: ((إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ)) [البقرة: (158)] ..
على النحو التالي:
"sapha et Merva sont des monuments de Dieu. Celui qui aura fait le pelerinage de la Mecque , et aura visite la maison sainte sera exempt d'offrir une victime d'expiation , pourvu qu'il fasse la tour
de ces deux montagnes "
- مُترجمًا ((شَعَائِرِ اللَّهِ) بـــ ((آثار الله))، مع أنَّ المقصودَ هو: أن الطَّوافَ بالصفا والمروةَ شعيرةٌ دينيةٌ من شعائرِ الحجِّ، لا أنَّ الجَبَلينِ المذكورينِ أثرانِ تذكاريانِ ..
- ومُترجمًا قولَه تعالى: ((حَجَّ الْبَيْتَ)) بما معناه: ((قام بالحجِّ إلى مكة))، وهذا غيرُ دقيقٍ على الإطلاق؛ فإنَّ الحجَّ ليس مجرَّد الذهاب إلى مكة، وإلا فالناسُ يذهبونَ إلى مكة كلَّ يومٍ بالآلاف، ولا يعدُّ هذا من الحجِّ في شيءٍ ..
- أما في قوله تعالى: ((أَوِ اعْتَمَرَ))، فقد استبدل بـ ((أو)) حرفَ عطفٍ آخرَ هو ((الواو))، وترجم: ((اعتْمَرَ)) بــ ((زار البيت)) فأَصبَح المعنى: ((حَجَّ إلى مكةَ وزار البيتَ)) ..
فانظر أي تشويهٍ للمعنَى! وكأن هذا غيرُ كافٍ؛ فتَرجَم: ((فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا))، بما يفيد أنه: ((لا يجب عليه أن يُضحِّي بشيء، بشرط أن يطوفَ بالصفا والمروة)) ..
وهو ما لا تدلُّ عليه العبارةُ القرآنيةُ أبدًا؛ إذ الآيةُ قد نَزلَت لتُذهِب عن نفوس المسلمين ما كانوا يَشعُرونَ به من حرج، تُجَاهَ التطويف بهذينِ الجَبَلينِ ظنًّا منهم أنَّ هذا من أعمالِ الجاهليةِ التي ينبغي عليهم أن ينبذوها ..
* - أمَّا قوله تعالى: ((كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ ۖ)) [سورة البقرة: (167)] ..
فيُتَرجِمه بما معناه: (سوف يُرِيهم أعمالَهم، وسوف يصعِّدون الزفرات)، وهو ما يُغْفِل من المعنَى دقائقَه، وذلك بتفصيص الجملةِ إلى جملتين؛ إذ المقصود أنَّ أعمالَهم نفسَها سوف تتحوَّل إلى حسراتٍ ..
* - وانظر إلى قوله تعالى: ((عَلَيْهِمْ))، وإشعاعاتِه التي تحومُ أمام عينيك، ولكنَّك لا تَستَطِيع عليها قبضًا! وأَرجُو كذلكَ ألا يَغِيب عن انتباهِك أنَّ القُرآنَ يَستَخدِم الزمنَ الحاضِرَ في ((يُرِيهِمْ))، فكأنَّك تُشاهِد المنظرَ وتَرَى لوقتِك أعمالَهم وحسراتِهم، وهو ما يَضِيع في الترجمة؛ من جرَّاء ما أَشرتُ إليه آنفًا، وأيضًا من جرَّاء استعمالِ المترجِم لزمن الاستقبالِ ..
* - كذلكَ في قوله تعالى: ((وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ)) [سورة آل عمران: (180)]: يفوِّت المترجِم ما يعودُ عليه الضميرُ ((هُو))، إذ يَظنُّه عائدًا على ((مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِه))، ولذلك يُتَرجِم الجملةَ كالآتي:
"Que l'avare ne regarde pas les biens qu'il resoit de Dieu comme une faveur , puisqu'ils causeront son Malheur ".
وليس هذا هو المرادَ، بل المرادُ أن عليهم أن يُفِيقوا من غَفلَتِهم؛ إذ يَحسَبُون أن بُخلَهم هو خيرٌ لهم، مع أنه في الواقعِ وبالٌ عليهم ..
إنَّ ما يَهَبُه الله لعبدٍ من عبادِه من أموال وأرزاقٍ ليس خيرًا في ذاتِه ولا شرًّا، بل نيةُ الإنسانِ وعملُه هما اللذان يَكتَسِبان هذينِ الوصفينِ ..
* - هذا، وقد تكرَّرت ترجمتُه لقولِه تعالى: ((سَرِيعُ الْحِسَابِ)) بـــــ ((Exact))، وهو ما يُفيد أنَّه سُبحانه وتعالى دقيقٌ في مُحاسبةِ العبادِ، وليس هذا هو المقصودَ انظر: [ص158، 175، 191، 269] على سبيل المثال، وإن كان قد ترجمها في (ص264) ترجمةً صحيحةً، وذلك في قولِه تعالى: ((لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)) [سورة إبراهيم: (51)]، فلا أدري لِمَ لَمْ يَلتَزم هذه الترجمةَ الصحيحة في كلِّ الحالات! ..
* - ومثل هذا ترجمتُه لفظة ((المنافقون)) مرارًا ترجمةً خاطئةً، وبلا سببٍ مفهومٍ.
لقد ترجمها بـــــ ((impies)) [ص171 , 437]، مع أنَّه استَعمَل هذه الكلمةَ بمعنى: ((الَّذِينَ كَفُرُوا)) [ص186]، وبمعنى: ((الظالمين)) [ص189]، وبمعنى: ((الذين ظلموا)) [ص310]، وبمعنى: ((أثيم)) [ص364]، وبمعنى: ((المسرفين))[ص427] ..
ومثل هذا الاضطرابِ يَجُور جورًا شديدًا لا على الدقة فقط، بل على أصل المعنى؛ إذ إن ((الظالمينَ)) غيرُ ((الآثمين))، غير ((الذين كفروا))، غير ((المسرِفين)) ..
* - وهذا الجَور يَجِدُه القارئ أيضًا في ترجمة الكاتب لكلمةِ ((الأعراب)) بـــ Arabesles)) ((les، مع أنَّ هذه غيرُ تلك، وهو من الوضوحِ والشُّهرة؛ بحيث لا أَدرِي كيف خَفِي عليه؟ إن كان قد خفي فعلاً، ولم يقصده قصدًا؛ [انظر، ص: 231، 437، 438، 441]، وهي سياقاتٌ يَصِمُهم الله فيها بالنفاق، أو على الأقل بعدمِ مخالطة الإيمان قلوبَهم ودخولِهم في الإسلام ظاهرًا فقط.
فهل هذا يَصْدُق على العربِ جميعًا؟ فمَن الذي حَمَل أعباء الرسالة إذًا، وقام بها قومةَ الرجال، وحارب من أجلِها , وضحَّى في سبيلِها، ونَشَرها في العالمين؟ أليس عدمُ الدقةِ هنا إثمًا عظيمًا؟ ..
إنَّ هذا اللُّونَ من الترجمةِ الإجمالية، وغيرِ الدقيقةِ يَشِيع في الكتابِ شُيوعًا بارزًا، ولو أردتُ لأتيتُ للقارئ لا بعشرات الأمثلة فحسْب، بل بالمئاتِ ..
***
* - كذلك لاحظتُ أنَّ المترجِم لا يَنطِق الكلماتِ العربيةَ نُطقًا سليمًا، وهذا واضحٌ من الألفاظِ والعبارات التي أدَّاها بالحروف اللاتينية، وها هي ذي بعضُ الأمثلةِ السريعةِ: لقد سبق أن رأى القارئُ كيف كَتَب المترجِم لفظ ((مروة)) هكذا: ((Merva))، بكسر المِيم بدلاً من فتحها، وبإبدالِ ((الواو))، ((فاء)) ..
* - أوَ يدري أيضًا كيف يَنطِق اسم ((أبي بَكر))؟ إنه يَكسِر (باء) ((بِكر))؟، مما يَنقُل هذه الكلمةَ عن معناها –الأصلي- إلى معنى: ((عذراء))، وهو يَشرَح ذلك بأنَّه لما كان ((أبو بكر)، والدَ الزوجة العذراءِ الوحيدة التي بَنَى بها الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد سُمِّي كذلك، فتأمَّل هذا التخريجَ المضحِكَ العجيب، [انظر هامش (ص11)] ..
* - أما ((جلال الدين))، فيَنطِقه بكسر الجيم، وهو خطَّأ مطَّرد - ولا أدري سببَه؟! - وإن كنتُ لاحظتُ عند بعض المستشرقينَ ميلاً إلى قلب ((الفتحة)) على الحرفِ الأول من بعض الكلماتِ إلى ((كسرةٍ)) ..
* - كما يَنطِق ((الفاتحة)) ((fatahat))، و ((الرحمن)) بضم الراء!، [ص113-هـ2]، و((مسلمون))، ((Meslemoun)) بكسرِ ((الميم))، [ص113 - هـ 2]، ويَنطِق ((أُحُد))، ((احد)) [ص152-هـ1، و153-هـ2]، ويَنطِق ((اللاتَ والعُزَّى ومَنَاةَ)) على النحو التالي: ((Lat))، ((Aza Menat))، [ص169-هـ 1]، و((قتادة)) ((بضمَّ القافِ)) [ص192 هـ-1]، و ((شُعَيْب)) بفتح ((الشين)) وكسر ((العين))، ((207 - هـ 3))، و((الزمخشري)): ((زَمْشَسْكِر))! ، الموضع السابق، ومواضع أخرى كثيرة ..
* - كما يَنطِق ((الكهف)) بفتح الكاف والهاء معًا [ص290 - هـ 1]، و((ذا الكفْل)): ((الكَفِل)). [ص315 - هـ 2]، و((عُرْوَة)) ((عَرُوَة)). [ص422 - هـ 2] ..
* - وكمثلِ خطئه في نطقِ اسم ((أبي بكر))، وفي توجيه معناه، يُخطِئ في تفسير اسم ((مالك)) خازنِ النار؛ إذ يقولُ: إنه سُمِّي كذلك؛ لأنه واحدٌ من الملائكة، وهذه الكلمة تَعنِي: ((ملاكاً)) ange .. فمن أين له بهذا التوجيه المضحِك؟ [انظر: ص424 - هـ 1] ..
* - أما صلاة ((العشاء))، فيَنطِقها: ((ache)) عَشه"، قائلاً: إنَّها من طعام العَشَاء، [انظر: ص444 - هـ 1]، وهو تخليطٌ عجيبٌ؛ فصلاةُ ((العِشاء)) بكسر ((العين))، أما طعام ((العَشاء)) فبفتحها، ثم إنَّه إذا كانت إحدى الكلمتينِ مأخوذةٌ من الأُخرى، فإن اسم الطعام هو المأخوذُ من اسم الوقتِ لا العكس، وهو يَنطِق ((مُحمَّد)) "Mahammed” . [ص740 - هـ 1]، و((الجُمعة)) بكسر ((الجيم)). [ص471 - هـ 1]، و((نَسْر)) "naser" . [ص487- هـ 1]، و((علِّيِّين)) "aliin"، و((تَسنيم)) بكسر ((التاء))، و ((مُشركين)) بفتح ((الميم)). [ص528 - هـ3] ..
وليس خطؤه في النُّطقِ مقصورًا على الكلماتِ المفردةِ، أو على أسماء الأعلام، - كما ربما يتبادرُ إلى الذهن - بل يَشمَل نُطقَ جُملٍ كاملة يُشوِّهها تشويهًا فظيعًا، حتى إني لأتساءل: كيف يتسنَّى له بعد ذلك أن يَفهَم النَّص القرآني؟ ..
* - إنه مثلا يَنطِق: ((وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا)) إلخ " على النحو التالي:
(("والشَّمس وضُحَيْها * والقمرٍ إذا تَلَيْها * والنهار إذا جَلَيْها * والليل إذا يَغْشَيْها * والسماء وما يبْنَيْها * واللَّرضٍ وما طَحَيْها... إلخ")) ..
فتأمَّل كيف ((ينوِّنُ)) ما دخَل عليه الألف واللام!!، وتأمَّل كيف يقلِب ألف ((ضُحَاها))، وتلاها... إلخ" ياءً ساكنةً! وتأمَّل كيف يَغفُل التضعيف في لام ((جلاَّها))! ، وتأمَّل كيف يَكسِر ياءَ ((يغشاها))، وتأمَّل كيف يُضِيف ياءً إلى ((بناها))، وكيف يُضِيف ((لامًا)) أُخرى بعد لامِ التعريفِ في الأرضِ، وهذا كلُّه في ما لا يتعدَّى سطرينِ!! ..
* - إنَّ كاتبَ مُقدِّمة الترجمةِ يذكرُ أنَّ المترجِم قد أَنفَق شطرًا من عُمرِه مع المسلمين العربِ في بلادِهم، يَأخُذ عنهم القرآنَ ونطقَه، فهل هذه هي مقدرةُ مُستشرقٍ يتصدَّى لترجمةِ القرآنِ، بعد أن خالطَ أتباعَ هذا القرآنِ وأصحابَ اللغة التي نزل بها أعوامًا؟! .. تُرى أكانَ هذا المستشرقُ يُحسِن حقًّا اللغة العربية؟ ..
* - إنَّ الأمر جدُّ محَيِّر! إلا أنني - قبل أن أعدِّي عن الملاحظة الأولى الخاصةِ بعدم الدقة، واعتمادِ الكاتب الترجمةَ الإجماليةَ في مئات المواضع - أَوَدُّ ألا تفوتُنِي الإشارةُ إلى أن ذلك المستشرقَ، في حدودِ انتباهي، لم يُثْبت - ولو مرَّة واحدة - لفظ الجلالة ((الله)) كما هو، بل أدَّاه بألفاظٍ فرنسية لا تقوم مقامَه أبدًا، مثل: "Le Dieu " ص143"، و "L'Eternel " ص186"، و"Le Tout – puissant " ص218"، و"Le Ciel " ص219" و"Le Tres
Haut " [ص:244]"، وهذه مجرَّد أمثلة فقط، وإلاَّ فلفظُ ((الجلالة)) يتردَّد في القُرآن مئاتِ المرات ..
أَلاَ علَّه يَنفِر من كلمة ((الله))، التي لا يَستَعمِلها إلا المسلمون؟! ..
* - رُّبما أوْحَى إليَّ بهذا التفسير قولُه في: [ص528 - هـ 2]، تعليقًا على قولِه تعالى: ((قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)).[الإخلاص: (1)] ..
- "لقد قضى محمدٌ –صلى الله عليه وسلم- شطرًا من عمره يُحارِب الوثنية ويَهدِم الأصنام، لكنَّه لما لم يكن يَستَضِيء بوحيٍ إلهيٍّ؛ فإنَّه - وإن أزاح ظُلمات الجاهلية - قد أتى بأخطاءٍ جديدةٍ؛ إذ إنَّه في دعوتِه لوحدانية الله"Dieu"، قد حارب عقيدة التثليثِ ..
* - إن المسلمين "Mahometans" يعتقدون بإلهٍ واحدٍ خالقٍ للسماءِ والأرضِ، يُعاقِب على الشر، ويَجزِي على الخير، لكنَّ تعاليمَ نبيِّهم المزيَّف جعَلتهم يرفضونَ الأسرارَ النصرانيةَ"les mysteres"، ويسمُّوننا بالمشركين "machrekin "؛ لأننا نعبدُ ثلاثةً في واحدٍ" ..
* - إنَّ كلمة ((الله)) تدلُّ على المعبودِ الواحدِ الأحد، الذي لم يلد ولم يُولَد ولم يكن له كُفُوًا أحدٌ، فهل هذا هو سببُ هجرِه هذه الكلمةَ، واستبدالِ كلماتٍ أخرى بها؟ ..
* - ذلك، ولا أُحبُّ أن أتعرَّض لاتهامه محمدًا –صلى الله عليه وسلم- بأنه نبِيٌّ مزيَّف قد أضل أتباعه، حين شدَّد على وحدانيةِ الله وهاجم التثليثَ، فهو كلامٌ لا يستحقُّ عناءَ تفنيدِه، لكن أليس مضحكًا أن يُعابَ المسلمون لتوحيدِهم الله، وعدم إشراكِ أحدٍ من عبيده به؟ ..
* - وممَّا يتعلَّق بمسألةِ الدِّقَّة أيضًا أنه يقسِّم الآيةَ الواحدةَ إلى آيتين وإلى ثلاث أحيانًا، ويشبكُ أحيانًا أخرى الآيتينِ والثلاثَ في آيةٍ واحدةٍ، ولم أَهتدِ قط إلى تفسيرٍ لهذا؛ فهو لا يُرَاعِي مثلاً أن تكون الكلمةُ التي يقسِّم عندها الآيةَ إلى آيتينِ مُنسجمةً موسيقيًّا مع بقيةِ الفواصلِ، أو أن يكون المعنى قد تَمَّ عندها ..
* - إن هذا عبثٌ يُخِلُّ بالمسؤولية التي أخذها على عاتقه - حين أقدمَ على ترجمةِ القرآن - هو عبثٌ غيرُ مفهومٍ، ولا معذور؛ فإنَّ الآياتِ القرآنيةَ محدَّدة تحديدًا واضحًا لا لَبْسَ فيه في المصاحف. والطريفُ في الأمرِ أنه - بقدرة قادر - قد حافَظ على عددِ آياتِ كلِّ سورةٍ كما هي، اللهم إلا في حالتينِ زاد العدد فيهما آية.
_______________________
* - للمقال –صلة وتكملة- بمشيئة الله تعالى ..
* - المقال بقلم: العلاَّمة أ. د. إبراهيم عوض (وفَّقه الله) ..
________________
[1] - ظهرت (الطَّبعة الأولي) من هذه الترجمة (سنة 1782م)، لكنَّ الطبعة التي رجعتُ إليها في كتابة هذه الدراسة هي طبعة (سنة 1883م)، وقد صدرت في باريس عن: [دار "Garnier Freres"]، وهذه الترجمة طُبعت عشرات المرات ..